25 - 06 - 2024

إيقاع مختلف | لحظة الحقيقة

إيقاع مختلف | لحظة الحقيقة

(أرشيف المشهد)

12-12-2012 | 15:52

دمُ الأحرارِ يُخرسُنى فلا أنطقْ.. دمُ الأخيارِ يُنطقنى لكى  أصْدُقْ، دمُ البُسطاءِ يلعنـُنا، ويهتفُ غاضباً: حدِّقْ..

أعتقد أنه لم يعد هناك مزيد من الوقت نضيعه قبل أن نرفع أيدينا من فوق أعيننا وعقولنا، هذه الأيدى التى طالما وضعها كثير منا فوق عينيه وعقله غير قادر ولا قابل لأن يصدق الحقائق الساطعة،  لا لشىء إلا أنها قد حُجبت وراء الشعارات البراقة التى تداعب المشاعر وتدغدغ الأحاسيس.

كنت قد اختصرت موقفى من انتخابات الإعادة لرئاسة الجمهورية فى عبارة تقول: "إن ضميرى لا يسمح لى بأن أمنح صوتى للفريق أحمد شفيق، وإن عقلى لا يسمح لى بأن أمنحه للدكتور محمد مرسى"، ساعتها لم أكن – يقينا ـ ضد الإسلام، ولا ضد الشريعة السمحاء، ولا ضد أن يكون ديننا الحنيف حاضراً فى حياتنا حضورًا جليلًا أميناً حميداً، بل كنت ضد أن يتحول طرح سياسى بيِّن السياسية إلى طرح دينى واضح الاستغلال.

كنت أعى أن الأمر يعنى أن يتحول كل خلاف سياسى إلى خلاف مع الدين، وكأن الدين تجسد فى أشخاص بأعينهم، أو فى تيار بذاته، بحيث إن الاختلاف معه هو اختلاف مع الإسلام، أو (نقض للعهد مع الله ورسوله).

اليوم تكشف الحقائق عن ذاتها بذاتها، فعلى الرغم من أن الإعلان الدستورى الذى أشعل الموقف لم يتضمن كلمة واحدة تشير إلى الإسلام أوالشريعة أو الدين أو لفظ الجلالة، فقد تحول رفض هذا الإعلان ـ بقدرة قادر- إلى رفض للإسلام، وتحول الرافضون له إلى معادين للشريعة، ولا مانع من أن يوصفوا أيضًا بأنهم يحاربون الله عز وجل، أما المؤيدون فهم حزب الله، الذين يهبّون لنصرته، وينفرون للدفاع عن شرعه وشريعته.

ولا أظن أن هناك تزييفًا للحقائق ولا إلباسًا للباطل ثوب الحق يمكن أن يتم بدرجة أوضح أو أشد.

إن الدم المصرى الذى تمت إراقته فى معركة سياسية تم تسويقها على أنها معركة دينية يتهمنا جميعاً، ويديننا جميعاً.

وإن مصير مصر الذى يتأرجح الآن، ويهتف بنا أن ننقذه مما يمكن أن يصير إليه، يحتم علينا أن نرفع الأيدى عن الأعين، ونرفع الحجب عن العقول، ونزيل الشعارات - الصادقة فى ذاتها، الزائفة فى استغلالها- من على البصائر والأبصار، وأن نرى الحقيقة فى تجردها حتى ننقذ الوطن ونحمى أبناءه.

الموجعات فى المشهد أكثر من أن تحصى، ولكن ما يزيد الآلام والإيلام أن ينشغل الكثيرون بأن ينسبوا الشهداء إلى هذا الفريق أو ذاك، وكأنه لا يؤلمه إلا أن يكون الشهيد من فريقه هو، أو كأنه لم يكتف بأن استغل الشهداء أحياءً  ـ عندنا ـ   تحت شعاراته الملتبسة، فأراد أيضًا أن يستغلهم وهم أحياء ـ عند ربهم – لكى يكسب نقطة لفريقه فى الصراع الذى يدور.

مصر اليوم فى خطر حقيقى يحتاج إلى أن يكبر الجميع ليصيروا على مستوى هذا الخطر، وهى تستحق منا أن ننتصر لها، لها وحدها، دون سواها، وهو ما لا يمكن أن يحدث دون أن نرى الحقائق فى ذاتها، إنها لحظة الحقيقة، فكونوا حقيقيين يحفظكم الله.

 

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان